48 ساعة حاسمة.. هل نكون أمام حكومة الـ”إقصاء بالتراضي”؟
ما زالت الأجواء السلبية تحيط بعملية تأليف الحكومة، وسط إصرار الرئيس المكلف مصطفى أديب على قطع التفاوض مع الأحزاب السياسية، مدعوماً بمظلّة فرنسية ومباركة نادي رؤساء الحكومات السابقين، مما يدفعه الى التمسّك أكثر بفرض شروطه على الجميع.
العِقَد الحكومية باتت معروفة، حيث يصرّ أديب على تسمية الوزراء من دون التشاور مع القوى السياسية، كما ثمّة خلاف حول عدد أعضائها بين ما يفضّله أديب بأن تقتصر على 14 وزيراً، فيما يميل رئيس الجمهورية ميشال عون الى حكومة من 24 وزيراً، بالإضافة الى عدم الاتفاق على مبدأ المداورة في ظل إصرار حركة “أمل” و”حزب الله” على إسناد وزارة المالية للطائفة الشيعية، استناداً لمبدأ “التوقيع الشيعي الثالث” لتحقيق متطلبات الميثاقية في السلطة.
كل ذلك دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الإعلان عن عدم رغبته بالمشاركة في الحكومة مع الاستعداد للمساعدة في التعاون لأقصى الحدود، وفي موقف مشابه، أعلن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أنه غير معني لا بتوزيع الأسماء ولا بالحقائب، مؤكداً أنه سيكون من بين المسهّلين لولادة الحكومة.
هذه المواقف لم نشهدها خلال تشكيل الحكومات السابقة، بعد أن كانت عملية التأليف تتوقف لأشهر بهدف توزير باسيل شخصياً أو تصميمه على الحصول على حقيبة معينة، وعلى الرغم من أن بري لطالما اعتمد فن “البرغماتية” السياسية، إلا أنه لم يصل الى تقديم تنازلات بحجم تلك التي قدمها لأديب، وهذا ما يحمل اشارات ودلالات واضحة لجهة محدودية الموقع التفاوضي لمختلف الأطراف السياسية.
في المقابل، وعلى الرغم من التزام “حزب الله” الصمت، الا أنه غير بعيد عن أجواء حلفائه وبالتأكيد لن يكون جزءًا من حكومة يُستبعد منها بري وباسيل.
كل ذلك لا يعني أن عملية التأليف قد تُجمّد أو تتوقف، فحسابات اليوم تختلف عن حسابات الأمس، ومن الصعب أن تقبل أي قوى سياسية تحميلها مسؤولية تعطيل المبادرة الفرنسية وفرملة الانهيار، حيث يدرك الجميع حجم المأزق الإقتصادي والمالي الذي تعيشه البلاد، كما يدركون أن المبادرة قد تكون المحاولة الأخيرة قبل الانهيار الشامل.
وإنسجاماً مع ذلك بات الحديث عن “تسهيل” التأليف لازمة لجميع المواقف السياسية، والأمر هنا لا يقتصر على “أمل” و”الوطني الحر” و”حزب الله”، بل هذا ما أصبح متّبعًا ضمن الأدبيات السياسية لـ”تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” منذ الأيام الأولى للمبادرة.
ووفقاً للمعلومات، فإن لبنان أمام 48 ساعة حاسمة فيما يتعلّق بالملف الحكومي وبالتالي المبادرة الفرنسية، وهو التاريخ الذي حدّده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتشكيل الحكومة. فإذا ما أقدم أديب على تقديم تشكيلته الحكومية دون الالتفات الى القوى السياسية، فإن الرئيس عون سيكون أمام خيارين: إما قبولها لكي لا يظهر بمظهر المعطّل لمسار تشكيل الحكومة والمبادرة الفرنسية وبالتالي رمي “كرة النار” لدى مجلس النواب، وإما رفضها إستناداً الى حقّه الدستوري بالمشاركة في عملية التأليف على قاعدة أن رئيس الجمهورية ليس مجرد “ساعي بريد”، مع ما تحمله هذه الخطوة من تبعات قد تصل الى حدّ فرض عقوبات على مقربين منه، وهو ما يشكل أداة ضغط قوية في وجه الجميع.
لا شك أن إعلان ماكرون إبان زيارته بيروت أنه يضع “رصيده السياسي على الطاولة” ليس أمراً عابراً، فهو بذلك أظهر مدى جدية مبادرته، وبالتالي فإن إسقاط هذه المبادرة ستكون تداعياتها كبيرة لدرجة قد تفوق ما يمكن أن يتحمّله لبنان، اذ ستتوقف المساعدات المنتظرة وفي أوّلها المساعدات الفرنسية التي يُعول عليها، وكل ذلك في ظلّ إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم قدرته على الاستمرار في دعم المواد الأساسية بما فيها الدواء. هكذا، يبدو أن الجميع اقتنع بضرورة تمرير التشكيلة الحكومة انحناءًا أمام الرياح، بانتظار عبورها بدل غرق السفينة بمن فيها.
مهدي كريّم